اقتصاد شاهد عيان على حالة نزل في جوهرة الساحل: آمال كربول في واد وواقع السّياحة التونسية في واد آخر
يبدو أن الشعب التونسي أخطأ حين فرح وهلّل لتنصيب أمال كربول كوزيرة للسّياحة التونسية، خاصّة وأنّ قطاع السّياحة يعتبر من أهم موارد تونس والمساهم الأكبر في تنمية اقتصادنا، لكن وبعد عدّة أشهر من تولّيها منصب الوزارة تبيّن بالكاشف أنّ الوزيرة لم ترسم مخطّطا واضحا لإنجاح هذا الموسم السّياحي بالرّغم من أنّها نظّمت عدّة تظاهرات في مختلف أرحجاء البلاد، وعملت على الجانب الإعلامي للتعريف بالسّياحة التونسية حتى أنها وصلت الى ترغيب الأوروبّيين في زيارة تونس إلى حد اعتمادها فيديوهات تحدّثت فيها عن خصائص السّياحة في تونس لكن في كلّ مرة نكتشف أنها بعيدة كل البعد عن السّياحة خاصّة حين يلاحظ المواطن البسيط ويستغرب من حديث الوزيرة عن ''الهريسة التونسية" في فيديو حاولت فيه استقطاب الكنديين لزيارة تونس.
نعم هذا الأمر يصل حتّى مرحلة السّذاجة حين نجدها تعرّف بسياحتنا عن طريق الأطعمة متغاضية عما تحمله حضارة 3000 سنة من التّاريخ . كل هذا ممكن أن يمر في خانة السّهو وغياب التّجربة لكن أن تتحدّث عن السّياحة عند غيابها وغياب أبسط مقوماتها فهذا هو الخور. ويعتبر محور حديثنا أحد أبرز النّزل في مدينة سوسة وهو مصنّف بأربع نجوم (نحتفظ بإسم النزل رفضا للتشهير ونضعه تحت طلب وزارة السياحة)، نجده لا يمت للمعنى الحقيقي لكلمة نزل بصلة حيث من لحظة دخول الزّائر لهذا النّزل ومن الباب الخارجي تعترضك روائح كريهة يبدو أنّها ناتجة عن فضلات ملقاة في أحواز النّزل..
والمحيّر أن الأمر لا ينتهي هنا فمن أول لحظات دخول المقيم للفندق يكتشف أنه يفتقد لأهم مستلزمات الحريف، المصعد مثلا لا يعمل إلاّ في أوقات لا يعلمها إلا من يلازم باب المصعد طيلة يوم كامل حتى يتمكّن من التّمتع بخدمة الصعود عليه حين يشتغل بالصّدفة لأنه وبكل بساطة طيلة اليوم يكون معطّلا ويشتغل في أوقات غير معلومة ولا أحد يعمل إن كان هذا قرار من مسيّري النّزل أم هو عطب.
لا يمككنا أن نتناسى حالة قاعة الإنتظار ومشارف المسابح الخاصّة بالنّزل والتي تعج بالحشرات من بعوض وناموس.. أما عن الحانة والمقهى فالأمر غريب فيهما أيضا حين يتم استعمال البلاستيك عوضا عن كؤوس البلّور للمشروبات وهذا الأمر ممنوع خاصّة في النّزل. أما عن الأطعمة فالأمر لا يبعد كثيرا عما لاحظناه في بقيّة الخدمات وحتى من خلال لقاء ''الجمهورية'' مع بعض المقيمين بالنزل فإن بعض الأطعمة التي تقدّم كوجبات غداء مثلا تجمع وتقدم مرّة أخرى في وجبات العشاء أو حتى أنهم يعيدون طبخ أو شي اللحوم مرة ثانية لتقدّم وهذا ما أدى إلى ظهور روائح كريهة في بعض اللّحوم المقدّمة خلال فترة إقامتنا بالنّزل وهو نفس الأمر بالنسبة للأسماك.
من ناحية أخرى فإن قاعة النّدوات والإجتماعات لا تمت لصفتها بصلة خاصّة وأنّها قاعة عمل وتفتقر الى مستلزماته على غرار مشاكل الأنترنات والإضاءة. أثناء فترة اقامتنا بالنّزل، وبالصدفة شهدت المنطقة نزول بعض الأمطار وهو الشيء الذي أدّى إلى تقاطر المياه من سقف القاعة التي كانت بصدد احتضان دورة تكوينية... أما في الغرف فالوضعية بسيطة فمستلزمات المفيم متوفّرة إلاّ أنه وبفتح نافذة الشّرفة يكتشف وجود مصب فضلات يحتوي على بعض الأكياس البلاستيكية وبقايا السّجائر مع فضلات الطيور والعصافير...
مع كل هذا فإن بعض العاملين بالنّزل ومن خلال تعاملهم مع الحرفاء يتبيّن لنا أنهم ليسوا بالحرفيين حتى من خلال عدم احترامهم للحرفاء ومن بين الأشياء التّي لاحظتها 'الجمهورية' خلال فترة هي عمليات التّحيّل التي يقوم بها المنشّطون التّابعون للنّزل حيث ينظمون ألعابا ومسابقات مالية يقوم فيها كل مشارك بدفع مبلغ مالي يحدّده قانون اللّعبة ثم يكون المنشّطون هم المسيّرون والمشرفون على سير اللّعبة ونتائجها.. وباعتبار أن المشاركين هم من السّياح الأجانب فإنّ المنشّطين يحاولون في كل مرّة الجلوس مع المتبارين في طاولاتهم ويكشفون الأرقام التي يمكن أن تكون فائزة للمسيّر الأول والحكم في المسابقة وبذلك فإنه يتغاضى عن ذكر تلك الأرقام حتى لا يتمكن المتبارون من الفوز وبذلك يصبح المبلغ المالي على ذمتهم بنهاية المسابقة.
هنا تطرقنا فقط الى حالة أحد النّزل الذي يعتبر واحدا من مكوّنات واجهة السّياحة التونسية بمدينة سوسة لكن بان بالكاشف أنه لا يمكننا التّحدث عن القطاع السّياحي كمورد لانتشال الإقتصاد التزنسي حين يكون على هذه الحالة. هذه معضلة خاصّة وأنّنا نتحدث عن أحد أكبر الأقطاب السّياحية في تونس.. والثابت أن ما خفي كان أعظم... والسّؤال المطروح هنا أين وزيرة السّياحة من كل هذا خاصّة انّها تعد بموسم سياحي ناجح كلّما أطلت علينا في المنابر الإعلامية العالمية؟
علي العبيدي